الصحة

باحثون يقدّمون "إثبات مفهوم" على أنّ الذكريات قابلة للمحو

 


أظهر العلماء كيفيّة تنشيط الذكريات القائمة على الخوف والناتجة عن الصوت المصاحب لصدمة كهربائية وكيفيّة محوها باستخدام طرق دقيقة جدّاً لقياس كيفية تخزين الذكريات في خلايا دماغ الفئران. يقول البحث الذي تم مناقشته في مؤتمر صحفي خلال عام 2017 بأنّ العلماء قد يتمكنون يوماً ما من محو الذكريات الخفية المرتبطة باضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) أو الذكريات المختلطة المرتبطة بتعاطي العقاقير. تقول "شينا جوسلين" وهي عالمة كبيرة في قسم علم وظائف الأعضاء في مستشفى الأطفال المرضى في جامعة تورنتو في كندا: "تحدّد الذكريات الأشخاص الذين نحن عليهم". تضيف جوسلين: "نأمل من خلال فهم حقيقي لكيفيّة عمل الدماغ في الحصول على بعض الرؤى الجديدة للعلاجات، وأن نقوم بعلاج اضطرابات الدّماغ فعليّاً يوما ما".
لا تزال القدرة على محو الذكريات الصادمة من أدمغة البشر مجرّد خيال علمي كما يظهر في فيلم "الشمس الخالدة للعقل الناصع" Eternal Sunshine of the Spotless Mind في الوقت الراهن، وإنّ أي محاولة للقيام بذلك من شأنه أن يثير اعتبارات أخلاقية خطيرة.
أحرز علماء الأعصاب باستخدام دراسات الحيوانات تقدّماً كبيراً في فهم كيفية تشفير الذكريات الفرديّة في الدماغ. وصفت جوسلين عملها بأنّه يتتبّع أنماط مجموعات صغيرة من الخلايا العصبية أثناء تنافسها لتخزين الذكريات. نجحت مجموعة من الخلايا العصبية بعد فترة قصيرة تقدّر ببضع ساعات في تخزين ذكريات حدثين متعاقبين، حيث يتمّ ربط هذه الذكريات داخل الدماغ كي يتمّ تذكّرها في وقت لاحق.
قد يفسّر هذا سبب ارتباط حدثين عاطفيين في دماغنا مع بعضهما البعض. تذكر جوسلين بوضوح التاسع من آذار من عام 2009 وهو التاريخ الذي نشرت فيه واحدة من أوراقها العلمية، وهو نفسه اليوم الذي أنجبت فيه ابنتها عن طريق عملية قيصرية.
استخدم "ألسينو سيلفا" وهو أستاذ متميز في علم النفس في جامعة كاليفورنيا (UCLA) العلامات الجينية والمجاهر المصغرة على مجموعات من الجسيمات دون الذرية من خلايا أدمغة الفئران للتعامل مع الذكريات المترابطة.
تقول جوسلين بأنّه يتم تجنيد الذكريات وتخزينها أثناء مرور الوقت بين الأحداث من قبل مجموعات مختلفة من الخلايا العصبية، وتبقى هذه الذكريات مخزنة بشكل منفصل في الدماغ.
درس "هوارد إيتشنباوم" وهو مدير مركز الذاكرة والدماغ Center for Memory and Brain في جامعة بوسطن وظيفة "الوقت" في "حصين" hippocampus الفئران.
يقول إيتشنباوم أنّ هناك خلايا عصبية معينة لديها "القدرة على معرفة الوقت"، بالإضافة إلى "خلايا المكان" التي تقدّم تصوّراً مكانيّاً لمكان وقوع الأحداث. تمتلك مثل هذه الخلايا العصبية القدرة على تنظيم الذكريات في نطاق الزمان والمكان.
تقول جوسلين بأنّ هذه البحوث الأساسيّة تُعطي العلماء قدرة بدائية على استهداف مكان تخزين الذاكرة في الدماغ، كما أنّها تستطيع التلاعب في نشاط هذه الخلايا العصبية المستهدفة لتحويلها أو إيقاف تشغيلها .
تضيف جوسلين بأنّه حين يتمّ تعطيل الخلايا العصبية في الذاكرة فإنّ "الحيوانات لا تتذكر... كما لو أنّه قد تمّ محو الذاكرة تماماً لديها". تقول جوسلين ردّاً على سؤال بخصوص آثار بحثها على البشر أنها تقدّم "إثبات مفهوم" "Proof of Principle" (إدراك طريقة معينة أو فكرة لإظهار الجدوى منها) على نموذج الذكريات المتخصصة والبارزة والعاطفيّة والتي قامت بدراستها. تقول جوسلين أنّها لا ترى أنّ الأساليب التي يتمّ استخدامها حاليّاً على الفئران قابلة للتطبيق على البشر.
تقول جوسلين أنّ إثبات المفهوم يشير إلى أنه وبالنسبة لمشاكل الذاكرة عند البشر فإنّه "ليس علينا أن نستهدف الجسم كله، نحن لسنا مضطرين لاستهداف الدماغ بأكمله". توضّح جوسلين بأنّه يمكن استهداف خلايا محددة فقط، وتكمل: "تماماً كالصواريخ الباحثة عن الحرارة، أو العقاقير الباحثة عن الحرارة والتي من شأنها أن تعمل بطريقة ما على الخلايا المهمّة" في ذاكرة معينة. يوافق كلّاً من جوسلين وايتشنبوم على أنّ هناك أسئلة أخلاقية هامة بخصوص أيّ فعل يتمّ فيه التلاعب بالذاكرة البشرية. تقول جوسلين بأنّنا نتعلم من ذكرياتنا السيئة والجيّدة على حدّ سواء، فهذا الخليط من الذّكريات هو ما يساعدنا على أن نكون ما نحن عليه في نهاية المطاف.
تقول جوسلين: " حين يكون هناك ما يؤثّر على حياتك اليومية سلباً، فأنا أعتقد أن العلاج الذي يستهدف الخلايا المسئولة عن هذه الذكريات فقط يمكن أن يكون حلّاً مناسباً".
يحذر ايشنباوم من أن هناك عدداً محدوداً من خلايا الدماغ التي تشارك في ترميز الذكريات التي يعاد استخدامها في مجموعات مختلفة. يقول ايشنباوم إنّ تدمير ذكرى واحدة قد يؤثر على الذكريات الأخرى. إلّا أنّه يوافق على فكرة أنه إذا كانت هذه الذكرى "تدمّر حياتك"، فقد يكون من الجيّد التخلّص منها.

 

 

المصدر 

النشرة البريدية

الرجاء تعبئة التفاصيل ادناه لتلقي نشرتنا البريدية