الفلك

الزهرة، شقيقة الأرض

 

تخيل عالمًا شديد الحرارة ومغطى بسحب كثيفة تتساقط منها الأمطار الحمضية فوق منطقة بركانية.
هل تظنّ أنّ هذا منظراً غريبا؟
في الواقع، هذا منظر واقعي، ويوجد على كوكب "الزهرة".
إنّ هذا العالم غير قابل للسكن وهو الكوكب الثاني في البعد عن الشمس. أطلق على الزهرة اسم "شقيقة" الأرض. أطلق عليه هذا الإسم تيمّناً بإلهة الحب الرومانية، لكنّنا لن نجدها لترحّب بنا بحب إذا أراد البشر العيش هناك.
لماذا يطلق على الزهرة اسم "شقيقة" الأرض؟
اتضح أن كوكب الزهرة يمتلك بعض الخصائص المتشابهة مع الأرض على الرغم من الحرارة الخانقة المحصورة تحت غيومه السميكة. يمتلك الزهرة نفس حجم وكثافة وتركيب كوكبنا تقريبا، ويعتبر كوكبًا صخريًّا (أرضيّا). يدور هذا الكوكب بمسافة أقرب من كوكبنا إلى الشمس، ويبدو أنه قد تشكل في وقت قريب من تشكل كوكبنا.

افتراق مصير الشقيقتين

يختلف كلّا من الزهرة والأرض عند النظر إلى ظروف سطح وأجواء كلّ من هذين الكوكبين. أخذ هذين الكوكبين مسارات مختلفة عند تطور الكواكب. بدأ كلاهما كعالمين غنيّين بالماء والحرارة، إلّا أنّ الأرض وحدها نجحت في البقاء على هذا النحو. أخذ كوكب الزهرة منعطفاً خاطئاً في مرحلة ما وأصبح مكاناً مقفراً وساخناً لا يرحم. وصفه الفلكي الراحل جورج أبيل في أحد الكتب بأنه أقرب الكواكب إلى أجواء الجحيم في النظام الشمسي.

الموقع
يقع كوكب الزهرة على بعد أكثر من 108,000,000 كيلومتر من الشمس، وعلى بعد حوالي 50 مليون كيلومتر عن الأرض.
يجعله هذا أقرب جار لكوكبنا. إنّ كوكب الزهرة قريب جدًا منا ومشرق بسبب انعكاس الشمس عن غلافه الجوي. يعتبر الزهرة الجرم الوحيد إلى جانب القمر والذي يمكن رؤيته من الأرض خلال المساء وأثناء النهار!

الدوران

يلزم كوكب الزهرة 225 يومًا أرضيّاً لإكمال دورته حول الشمس.
يدور الزهرة حول محوره مثل الكواكب الأخرى في نظامنا الشمسي، إلّا أنّه لا يدور من الغرب إلى الشرق كما يفعل كوكب الأرض، بل يدور من الشرق إلى الغرب.
إذا كنت تعيش على كوكب الزهرة فإن الشمس ستظهر في الغرب صباحاً، وتغرب في الشرق مساءًا! كما أنّه يدور ببطء شديد، فيوم واحد في كوكب الزهرة يعادل 117 يوماً على الأرض.

الحجم

يكاد كوكب الزهرة يكون بحجم كوكب الأرض حيث يبلغ حوالي  24^10*4.9 كيلوغرام. يجعل هذا جاذبية كوكب الزهرة والتي تبلغ

(8.87 م / ث 2) مشابهة لجاذبية الأرض والتي تبلغ (9.81 م / ث 2). يستنتج العلماء أن بنية الجزء الداخلي للزهرة تشبه بنية الأرض بنواتها الحديدية ووشاحها الصخري.

سطح عطارد الصخري

يعتبر سطح كوكب الزهرة مكاناً قاحلاً ومقفراً، كما أنّ عدداً قليلاً فقط من المركبات الفضائية قد هبطت عليه. استقرت بعثة فينيرا السوفييتية على السطح وأظهرت أن كوكب الزهرة عبارة عن صحراء بركانية. كانت هذه المركبات الفضائية قادرة على التقاط الصور وكذلك عينات من الصخور وأخذ العديد من القياسات المختلفة.
يتم نحت سطح فينوس الصخري من خلال النشاط البركاني المستمر، ويتكون من سهول منخفضة متدرجة تتخللها جبال أصغر بكثير من تلك الموجودة على الأرض.
هناك أيضاً نقص في الفوهات الصدمية impact craters، وهي حفر ناتجة عن اصطدام عنيف لأحد النيازك على سطح كوكب ما مثل تلك التي شوهدت على الكواكب الأرضية الأخرى. يرجع هذا إلى سمك الغلاف الجوّي لكوكب الزهرة، مما يمنع النيازك من الوصول إلى السطح باستثناء النيازك الضخمة.

الغلاف الجوّي لكوكب الزهرة

إنّ الغلاف الجوّي لكوكب الزهرة أكثر حرارة من سطحه البركاني النشط. يختلف دثار الهواء الكثيف عن الغلاف الجوي على الأرض. سيكون هناك آثاراً مدمرة على البشر إذا حاولنا العيش هناك. يتكون الغلاف الجوّي أساساً من ثاني أكسيد الكربون (~٪ 96.5 ) في حين يحتوي فقط على حوالي(٪ 3.5)  من النيتروجين. 

يتناقض هذا مع غلافنا الجوّي الذي يحتوي على النيتروجين بالدرجة الأولى (٪78) والأكسجين (٪21)، كما أنّ تأثير الغلاف الجوي على بقية الكوكب كبير للغاية.

الاحتباس الحراري على كوكب الزهرة

يعتبر الاحتباس الحراري Global warming مشكلة كبيرة على كوكب الأرض، وهو ناتج عن انبعاث "غازات الدفيئة" "greenhouse gases" في الغلاف الجوي.
تحبس الحرارة بالقرب من السطح مع تراكم هذه الغازات مما يؤدي إلى ارتفاع حرارة الأرض. لقد تفاقم الاحتباس الحراري بفعل النشاط البشري، إلّا أنّه حدث في كوكب الزهرة بشكل طبيعي. يعود السبب في ذلك لأن كوكب الزهرة يمتلك غلافاً جويّاً كثيفاً، فهو يحبس الحرارة الناجمة عن أشعة الشمس والبراكين. أعطى هذا كوكب الزهرة كلّ ظروف الاحتباس الحراري اللازمة لجعله جحيماً. يجعل الاحتباس الحراري على كوكب الزهرة درجة حرارة السطح تصل إلى أكثر من 800 درجة فهرنهايت (462 درجة مئوية) بالإضافة للعديد من التأثيرات الأخرى.

ظروف الحياة على كوكب الزهرة

رغم أنّ درجة حرارة سطح كوكب الزهرة مدمّرة لحدّ كبير، إلّا أنّها لا شي مقارنة مع الضغط الجوي من دثار الهواء الكثيف للغاية والغيوم التي تحيط بالكوكب. يبلغ وزن الغلاف الجوي 90 مرة أكثر من الغلاف الجوي للأرض في مستوى سطح البحر. يعادل هذا الضغط ما سنشعر به إذا كنا نقف تحت الماء على عمق 3000 قدم. إنّ هذا الضغط مرتفع للغاية لدرجة أنّه وعندما هبطت المركبة الفضائية "فينيرا" كان لديهم لحظات قليلة فقط لأخذ البيانات قبل أن يتم سحقها وصهرها.

استكشاف الزهرة

أرسلت الولايات المتحدة وروسيا والأوروبيون واليابانيون مركبة فضائية إلى كوكب الزهرة منذ الستينيات. على الرغم من أنّ مسبارات المركبة فينيرا قد حطّت على سطح الكوكب، إلّا أنّ معظم هذه البعثات مثل مسبارات الزهرة الرائدة Pioneer Venus orbiters وسفينة الفضاء "مصور الزهرة" Venus Express التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية قاموا باستكشاف الكوكب من بعيد ودراسة الغلاف الجوي. قام آخرون مثل بعثة ماجلان Magellan mission بعمليّة مسح بالرادار لرسم ملامح السطح. تشمل المهام المستقبلية ارسال مركبة "بيبي كولومبو" BepiColumbo وهي مهمة مشتركة بين وكالة الفضاء الأوروبية ومنظمة استكشاف الفضاء اليابانية Japanese Aerospace Exploration والتي ستقوم بدراسة عطارد والزهرة. دخلت المركبة الفضائية أكاتسكي اليابانية المدار حول كوكب الزهرة وبدأت دراسة الكوكب في عام 2015.

 

 

المصدر

 

النشرة البريدية

الرجاء تعبئة التفاصيل ادناه لتلقي نشرتنا البريدية