البيولوجيا

شرارات صغيرة، اكتشاف كبير – هل من الممكن أن تكون قطرات الماء قد خلقت حياة؟

ربما كانت شرارات صغيرة ناتجة عن ارتطام قطرات الماء هي التي أشعلت شرارة نشأة الحياة، وليس صواعق البرق. اكتشف الباحثون أن الصواعق الدقيقة قادرة على تكوين جزيئات عضوية أساسية، مما يُعيد تعريف كيفية نشأة الحياة.

 

انسى ضربة البرق الدرامية - ربما بدأت الحياة مع عدد لا يحصى من الشرارات الصغيرة الناتجة عن سقوط قطرات الماء!

اكتشف العلماء أنه عند اصطدام الضباب والرذاذ، يُولّدان برقًا دقيقًا قادرًا على تكوين جزيئات عضوية أساسية. يُشكك هذا الاكتشاف في النظريات القديمة، ويشير إلى أن الحياة ربما بدأت في أماكن بسيطة كالشلالات أو أمواج المحيط.

 

البرق الميكروي: نظرية جديدة لأصول الحياة

ربما لم تبدأ الحياة بصاعقة برق عاتية ضربت المحيط. بل ربما لعبت شرارات "البرق الميكروي" الصغيرة الناتجة عن قطرات الماء المتلاطمة من الأمواج والشلالات دورًا رئيسيًا.

كشف بحث جديد من جامعة ستانفورد أنه عند رش الماء في خليط من الغازات يشبه الغلاف الجوي للأرض في بداياته، يمكن أن يُنتج جزيئات عضوية تحتوي على روابط كربون-نيتروجين. تشمل هذه الجزيئات اليوراسيل، وهو مكون أساسي في الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين (DNA) والحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين (RNA).

  

تحدي فرضية ميلر-يوري

نُشرت الدراسة اليوم (14 مارس) في مجلة "ساينس أدفانسز"، وهي تُقدم دعمًا جديدًا لفرضية ميلر-يوري التي طال الجدل حولها، والتي تُشير إلى أن الحياة بدأت بصاعقة برق. نشأت هذه الفكرة من تجربة أُجريت عام 1952، أظهرت أن المركبات العضوية يمكن أن تتشكل عند تفاعل الكهرباء مع الماء والغازات غير العضوية.

ومع ذلك، تُشير أحدث النتائج إلى أن الكهرباء لم تكن ضرورية بالضرورة. فقد اكتشف الباحثون أن قطرات الماء تُولد شحنات كهربائية ضئيلة بشكل طبيعي، مُنتجةً نفس الجزيئات العضوية دون الحاجة إلى مصدر طاقة خارجي.

وصرح ريتشارد زار، الباحث الرئيسي في الدراسة، وأستاذ كرسي مارغريت بليك ويلبر للعلوم الطبيعية وأستاذ الكيمياء في كلية العلوم الإنسانية بجامعة ستانفورد: "تُنتج التفريغات الكهربائية الدقيقة بين قطرات الماء الدقيقة ذات الشحنات المتقابلة جميع الجزيئات العضوية التي رُصدت سابقًا في تجربة ميلر-يوري، ونقترح أن هذه آلية جديدة للتركيب الحيوي للجزيئات التي تُشكل اللبنات الأساسية للحياة".

 

قوة البرق الميكروي وإمكاناته

بعد مليارات السنين من تكوينها، يُعتقد أن الأرض احتوت على دوامة من المواد الكيميائية، لكنها خلت تقريبًا من الجزيئات العضوية ذات الروابط الكربونية-النيتروجينية، وهي ضرورية للبروتينات والإنزيمات والأحماض النووية والكلوروفيل وغيرها من المركبات التي تُكوّن الكائنات الحية اليوم.

لطالما حيّرت كيفية نشوء هذه المكونات البيولوجية العلماء، وقد قدمت تجربة ميلر-يوري تفسيرًا محتملًا واحدًا: أن البرق الذي يضرب المحيط ويتفاعل مع غازات الكوكب المبكرة، مثل الميثان والأمونيا والهيدروجين، قد يُكوّن هذه الجزيئات العضوية. أشار منتقدو هذه النظرية إلى أن البرق نادر الحدوث، وأن المحيط كبير ومتشتت للغاية، مما يجعل هذا التفسير غير منطقي.

 

كيف تُولّد قطرات الماء الطاقة؟

يقترح زاري، بالتعاون مع باحثي ما بعد الدكتوراه ييفان مينغ ويو شيا، وطالب الدراسات العليا جينهينغ شو، احتمالاً آخر في هذا البحث. بدأ الفريق أولاً بدراسة كيفية تكوّن شحنات مختلفة لقطرات الماء عند انقسامها بواسطة رذاذ أو رشّ. ووجدوا أن القطرات الأكبر غالباً ما تحمل شحنات موجبة، بينما الأصغر تحمل شحنات سالبة. عندما اقتربت القطرات ذات الشحنات المتقابلة من بعضها، تطايرت شرارات بينها. يُطلق زاري على هذه الظاهرة اسم "البرق الصغير"، لأن هذه العملية مرتبطة بكيفية تراكم الطاقة وتفريغها على شكل برق في السحب. استخدم الباحثون كاميرات عالية السرعة لتوثيق ومضات الضوء، التي يصعب رصدها بالعين المجردة.

على الرغم من صعوبة رؤية ومضات البرق الصغيرة، إلا أنها لا تزال تحمل قدراً كبيراً من الطاقة. أثبت الباحثون هذه الطاقة بإرسال رذاذ من الماء بدرجة حرارة الغرفة إلى خليط غازي يحتوي على غازات النيتروجين والميثان وثاني أكسيد الكربون والأمونيا، والتي يُعتقد أنها جميعها موجودة على الأرض في مراحلها المبكرة. وقد أدى ذلك إلى تكوين جزيئات عضوية ذات روابط بين الكربون والنيتروجين بما في ذلك سيانيد الهيدروجين، وحمض الجلايسين الأميني، واليوراسيل.

 

الأمواج المتلاطمة، الشلالات، وشرارة الحياة

يجادل الباحثون بأن هذه النتائج تشير إلى أن الصواعق لم تكن بالضرورة هي التي أشعلت الحياة على هذا الكوكب، بل الشرارات الصغيرة الناتجة عن الأمواج المتلاطمة أو الشلالات.

قال زاري: "على الأرض في بداياتها، كانت هناك رذاذات مائية في كل مكان - في الشقوق أو على الصخور، ويمكنها أن تتراكم وتُحدث هذا التفاعل الكيميائي. أعتقد أن هذا يتغلب على العديد من المشاكل التي يواجهها الناس مع فرضية ميلر-يوري".

 

إعادة تقييم دور الماء في الكيمياء

يركز فريق زاري البحثي على دراسة القوة الكامنة لقطع صغيرة من الماء، بما في ذلك كيفية مساهمة بخار الماء في إنتاج الأمونيا، وهو مكون أساسي في الأسمدة، وكيف تُنتج قطرات الماء بيروكسيد الهيدروجين تلقائيًا.

وقال "نحن عادة نفكر في الماء على أنه شيء حميد، ولكن عندما يتم تقسيمه في شكل قطرات صغيرة، يصبح الماء شديد التفاعل".

المصدر:

النشرة البريدية

الرجاء تعبئة التفاصيل ادناه لتلقي نشرتنا البريدية