الصحة

لماذا نصبغ شعرنا؟

 

"هل صحيحٌ أنّ الشّقراوات يتمتّعن بأوقاتهنّ أكثر؟" الترويج لصبغة الشّعر أخذ، منذ الخمسينات، يستغلّ شعورنا بعدم الرّاحة المطلقة مع النفس، وذلك عندما ساعدت شعارات كليرول، كالّتي سبق ذكرها، على إظهار صبغ الشعر كمتوفّر ،ومقبول، لكلّ فتاة. الكثير من النساء الأمريكيات، مع حلول سنة 1969، صبغن شعرهنّ، حتّى إنّ ضرورة تسجيل لون الشّعر في جوازات السفر ألغيت عنها. لماذا الرّسائل الإعلانّية كهذه ،والإعلانات الحديثة المشتركة بالهدف، تنجح في إقناعنا بشراء هذه المنتوجات؟ وما الذي يدفعنا إلى تغيير لون شعرنا الطّبيعيّ؟
بالطّبع، الإنسان قد غيّر مادة الكيراتين في شعره منذ قرون عديدة، فقد استعملوا قديماً جداً دهن الماعز مثلاً وعلى مّر الزمن ابتكروا منتوجات مثل: Casting Crème و .Sun-In يختلف لون الشّعر الشّائع مع اختلاف المجموعات، الأجيال، والفترات الزمنية، لكنّ خصائص الشّعر الجوهرية من الممكن أن تساعدنا في شرح تعلّقنا بإحداث التّغيير الشّهريّ، وفي تفسير سبب كون صبغ الشعر صناعة تدرُّ مليارات الدولارات. بحسب قول روز ويتز، المتخصصة في علم الاجتماع وكاتبة كتاب "بنات رابونزيل: ماذا يخبر شعر المرأة عن حياتها"، (Rapunzel’s Daughters: What women’s hair tells us about women’s lives)، إنّ أهمّيّة شعرنا ولونه في حياتنا تستند على عاملين: ليونته وكونه ملكاً خاصّاً بالفرد وحده، مما يجعله ملائماً لنقل معانٍ رمزيّة.
بالإضافة إلى ذلك، الشَّعر هو إحدى السلع الجسدية الأكثر انتشاراً، فهو ظاهر للعيان وقابل للتفّسير من قبل الآخرين بنظرة سريعة فقط. هذه العوامل الأساسية مشتركة لكلّ من الرجال والنساء – لكن يعتقد ويتز بأنها أكثر أهمّيّة للنساء، بسبب استمرار تقييم المرأة أحيانا بالاعتماد على مظهرها الخارجي.
يدعم ويتز الرأي المدّعي أنّ الشعر هو أحد أجزاء الجسد التي نغيّرها بهدف إظهار هُوية معيّنة. التقلبات المتعلقة بألوان الشعر لها تأثير كبير، ومن الممكن أن يكون تغييرنا لون شعرنا متعلّقًا برغبة واعية، أو بغير وعي للانتماء إلى صورة نمطية ما. على سبيل المثال، للشقراوات صورة نمطية تظهرهنّ كالأكثر أنوثة، أما ذوو الشعر الأحمر فيُصنفون كمشاكسين، والّذين يكثرون من الألوان في شعرهم كمتمرّدين.
مع أنّ الرابط بين صفات الشخص ولون شعره قويّ، لكنه يختلف مع تقدّم الأجيال، ونتيجةً لذلك تختلف الميول في اختيار اللون. حتى إنّ الربط المقبول، والمبحوث ما بين الشعر الأشقر والجاذبية الأنثوية، هو فكرة قد تكون أكثر حداثة مما نعتقد. يعرض ويتز نقاشا، يقول فيه إنّ الحضارة الغربية لم تربط الشعر الأشقر بالجاذبية الجنسية بل ببراءة الطفولة، بينما الجاذبية الجنسية، يمثّلها الشعر الداكن. دليلُ ذلك ظاهر في الفنّ المسيحيّ والحكايات، إذ تُصوَّرُ العذارى اللواتي يمثّلن البراءة وطيبة القلب، بشعرٍ أشقر. أما قديما، فقد عرفت المومسات بشعرهن، بصبغ شعرهن باللون الأصفر.
مع ذلك، المتحمسون لاستخدام صبغة الشعر يتطلّعون إلى إخفاء التغيرات الطبيعية الحادثة في الشعر مع التقدم في العمر، لا إلى تغيير لون الشعر كاملاً. هذا النفور من التغير الطبيعي في لون الشعر كعلامة على التقدم في العمر، لم يكن هي الحال دائماً. فقبل القرن العشرين، عندما لم تكن النّزعة لصبغ الشعر منتشرة أو مستمرة، كان النفور من الشّعر رماديّ اللون أقلّ.
يقول ويتز: "يتوقّع النّاس أن يروا شعرا رماديّ اللون عند النّساء المسنّات، وملاحظة تجنّبهنّ ذلك بصبغه يؤدي إلى السخرية منهنّ". مع ذلك، فئة الراغبات بالمحافظة على مظهرهن الشبابيّ كبرت وصولاً للقرن العشرين، مّما أدّى إلى زيادة النفور من الشعر الرماديّ عند النساء، وفي شيوع منتوجات صبغ جديدة وأكثر أمانا.
ترى بعض النّساء أن وجود المنتوج "Nice ’N Easy" معهنّ في أماكن عملهنّ مهمّ جدّاً، إذ يسمح لهن ّبإخفاء علامات التقدم بالعمر ولتجنّب النّفور منهنّ. ليس هنالك من بين النساء العشرين في مجلس الشيوخ الأمريكيّ، اللواتي تتراوح أعمارهنّ بين 46 و81، مَن يظهر اللون الرماديّ في شعرها. أما الأعضاء الّذكور في المجلس، الذين ما زالوا يملكون شعرا، فنراهم يظهرون بدرجات متفاوتة من اللون الأبيض والرماديّ. تصفُ مجلة "Time" بأن في ذلك عملاً جائراً لا يقدم أصحاب المناصب على مناقشته علناً، خوفاً من أن يبدوا عديمي الأهمّيّة.
تستمّر الّثقافة المحيطة بلون الشعر بالتّغيّر، برغم عدم تطور تركيبة الصبغة الكيميائية كثيراً منذ سنوات الخمسين. الرجال حول العالم يلجؤون إلى صبغ شعرهم لإخفاء اللون الرماديّ. قدّمت مجلة "Wall Street" تقريرا حول تنامي دور صبغ الشعر في السياسة الصينية، حيث إنه أصبح شائعا بقدر شيوع بدلة الماو سابقا.
بخلاف غالبية القادة الذكّور، للرئيّس الصينيّ شي جين بينغ البالغ من العمر 61 عاما، شعر أسود بالكامل. تكهّنَ البعض أنّ طفرة إخفاء الشَّعر رماديّ اللون المنتشرة بين أفراد الطّبقة الصّينيّة العليا ترجع إلى التركيبة الشبابية السكانية في الصين: كل 4 من بين 5 مواطنين لم يبلغوا الخامسة والخمسين من عمرهم بعد. كما أنّ للعمر دوراً في الحصول على ترقية في العمل، ولعلّ الرجال يلجؤون إلى صبغ شعرهم كمحاولة للحفاظ على فرص التّقدّم وعلى مظهرهم الشبابيّ. علاوة على ذلك، ربما لصبغ الرجال شعرهم فوائد جانبية أخرى: المصنّعون يرون أنّ ذلك يساعدهم في "غرفة النوم وغرفة الإدارة".
للّتركيبة الكيميائيّة المستعملة لتغيير لون الشعر تأثير بارز في حياة الفرد، إذ تساعده على الاستجابة لتوقّعات المجتمع المهتمّ بالصِّبا، اتّباع صورة نمطية معيّنة أو محاولة الصمود في عالم تحكمه الشركات التجارية. ومن غير المفاجئ، أن يستمر سوق بيع منتوجات صبغ الشعر بتحقيق النّجاح حتىّ الآن.

 

المصدر

 

النشرة البريدية

الرجاء تعبئة التفاصيل ادناه لتلقي نشرتنا البريدية